تعد سوق العملات الرقمية سوقاً غامضة في ظل غياب القوانين، التي تحمي المستثمرين، خصوصاً الشباب والمبتدئين، في حال تعرضهم لعمليات احتيال، كما حصل في لبنان، إذ إن الاستثمار في الأصول المالية الرقمية ينطوي على مخاطر قانونية جديدة، وهي تفترض أن يكون رواد الأعمال والمستثمرون والمستشارون على دراية دائمة بالأنظمة الجديدة، وأن يأخذوا بالاعتبار جميع السوابق القضائية السارية في هذا الشأن.
وأهم المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها الشخص عند الاستثمار في العملات المشفرة، هي مخاطر الأمن السيبراني، إذ إن عدم امتلاك مهارات رقمية عالية يمكن أن يعرضه لهجمات البرامج الضارة، حيث يقوم أحدهم باستهداف حاسوبك وسرقة بياناتك وما تملكه من عملات رقمية. ولا يقتصر ذلك على اختراق المتسللين للحسابات الفردية لكل مستخدم فحسب، بل إن نظام "البلوكتشين" معرض بدوره لخطر الاختراق، ما يؤثر على قيمة العملات، ويسبب اضطراب السوق وخسائر مالية جمة، خصوصاً أن منصات تداول العملات الرقمية لا تخضع لأي قوانين تنظيمية تقريباً، وتفتقر عملياتها للشفافية.
لذلك، يعد الاحتيال وانتهاك الخصوصية أمرين شائعين، كما أن وجهات نظر المشرعين متباينة فيما يتعلق بالوضع القانوني للعملات الرقمية. ومن بين الأسباب، التي تفسر ذلك الخوف من استخدام المجرمين والتنظيمات الإرهابية العملات الرقمية مثل "بيتكوين" لتوفير التمويل.
بين المضاربة الوهمية وجني الأرباح
وعن فضيحة منصة "Binances Fund"، التي طاولت عدداً كبيراً من المستثمرين اللبنانيين، وأدت إلى خسارة أكثر من 300 مليون دول أميركي، يشرح كبير الاقتصاديين في بنك "بيبلوس"، نسيب غبريل، أن "هذه ليست عملات رقمية، بل هي عملات مشفرة (مثل "بيتكوين" وأخواتها)، حذر منها مصرف لبنان والكثير من المصارف المركزية حول العالم لأنها غير شفافة ولا تخضع لأي رقابة، ويمكن أن تستخدم لأغراض غير شرعية مثل تبييض الأموال".
وفي هذا الإطار، يرى النائب السابق لحاكم مصرف لبنان، محمد بعاصيري، أن "العملات المشفرة أصبحت واقعاً على المستوى العالمي، ويتم التداول والاستثمار فيها من قبل أفراد وشركات كبرى"، مشيراً إلى أن "العدد الأكبر من المصارف المركزية في العالم لا يشجع على التداول بها بسبب ضعف الرقابة المصرفية عليها".
ووفق بعاصيري، فإن ما حصل في منصة "Binances Fund"، "عملية احتيال عادية (بونزي) تقوم على القواعد نفسها، ولو بشكل مختلف، مستفيدة من الادعاء بالاستثمار بعملة "بيتكوين" وغيرها من العملات المشفرة"، مؤكداً "ضرورة أن تقوم لجنة الرقابة على المصارف في لبنان وغيرها في سائر دول العالم بحملات توعية لمثل هذه العمليات والتحوط منها".
عملية السرقة وبناء الثقة
يوضح المتخصص في التحول الرقمي وأمن المعلومات، رولاند أبي نجم، أن "منصة Binances Fund تحاول استنساخ هوية المنصة الأصلية المشهورة Binance من خلال تركيب الاسم الأصلي على الشركة الوهمية التي انطلق موقعها في شهر أبريل (نيسان) الماضي".
وإذ لفت إلى أن "منصة Binance هي في الأصل منصة لتداول عدة عملات رقمية"، عملت "Binances Fund" على "بناء الثقة في المرحلة الأولى عبر الاستثمار بأموال المستثمرين وتقسيطها لهم شهرياً مع إعطائهم محفزات. وفي المرحلة الثانية، تشجع الناس على الاستثمار بمبالغ أكبر، فسحبت كلها واختفت".
وعن علاقة استخدام مصطلح "المودعين" في الخبر المتداول، يؤكد غبريل أنها "أخبار مضللة وعارية عن الصحة، خصوصاً أن لهذه الكلمة ارتباطاً وثيقاً بالمصارف، وهناك نية غير بريئة من ذلك"، موضحاً أن "أموال هؤلاء الأفراد عبارة عن أموال نقدية أو حسابات بالفريش تم وضعها في هذه المنصة لجني الأرباح السريعة والمضاربة الوهمية"، مستذكراً، "عندما تنافست الناس على "بيتكوين" منذ أكثر من سنتين، من باب المضاربة لجني الأرباح السريعة، ولكن سعرها تدنى بشكل سريع، وها نحن اليوم نشهد ارتفاعاً سريعاً للعملة المشفرة".
خطة "المركزي" وتحديد الأولويات
أما بالنسبة إلى العملات الرقمية والخطة العالمية لاعتمادها بشكل رسمي، فيشير غبريل إلى أن "المصارف المركزية حول العالم لا تزال تدرسها وهي تخضع للتجارب، إذ لم يطلق أي بنك مركزي عملة رقمية خاصة به. أما في حال إطلاقها بشكل رسمي، فستكون العملة الرقمية مبنية على عدة أهداف بحسب متطلبات وحاجات البلد الاقتصادية والسياسية. ومنها على سبيل المثال، التخفيف من استعمال النقد وخفض تكلفة التحويلات المالية. بينما العملة المشفرة غير رسمية وهدفها المضاربة فقط".
وعن إمكانية إقرار العملات الرقمية في لبنان وسبب عدم إقرارها بعد، يشير غبريل إلى أن "أولويات مصرف لبنان منذ سنتين اختلفت كلياً، ولكن قبل الأزمة كان يدرس خطة رسمية لإطلاق العملة الرقمية، وفي الوقت ذاته حذر من استخدام العملات المشفرة ومنع المؤسسات التي تخضع لرقابته من استخدامها".
وعن أهداف العملات الرقمية، يوضح غبريل أن "هدفها الشمول المالي، أي تخفيف الاعتماد على النقد"، لافتاً إلى أن "السويد، والتي تعد من أكثر البلدان تقدماً في هذا المجال، كانت قد أعلنت قبل جائحة كورونا عن قرارها بإلغاء أوراق النقد بحلول عام 2023".
أما بالنسبة إلى تداعياتها على قطاع المصارف، فيشير غبريل إلى أنه "بحسب بعض دراسات وكالات التصنيف العالمية يؤدي التعامل مع العملات الرقمية إلى تراجع إيرادات المصارف والاستغناء عن جزء من خدماتها. لذلك، لا تزال في إطار الدراسة لمعرفة الأطر التشريعية وأيضاً البنى التحتية التكنولوجية وأهداف البلد (إذا كان يريد محاربة تبييض الأموال وغيرها من الأسباب)".
وعن مدى أهمية وضع أطر قانونية لتنظيم عمل العملات بطريقة رسمية، يرى أبي نجم أنه "لا يوجد أي شيء في العالم يصلح من دون القوانين، بالتالي يجب تنظيمها، خصوصاً أنه يتم التداول بعملات ومبالغ طائلة، خصوصاً أنها موجودة على تقنية (بلوكتشين)، ومن الصعب ضبطها لأن المصارف المركزية لا يمكن أن تتحكم بها".
ويقول، "اليوم هناك تحضير لمؤتمر عالمي يضم 30 دولة في الولايات المتحدة للبحث في تنظيم وضبط العملات الرقمية وكيفية استخدامها في مواضيع هجوم الفدية والسرقات وتبييض الأموال"، محذراً من "خوض هذه التجربة عن قلة إدراك ووعي"، معتبراً أنه "لا يوجد أي ربح سريع فهذا نصب واحتيال، وأي شراكة تقوم من دون نظم شرعية تعد فاشلة".
لقراءة المقابلة على موقع اندبندت عربية مع الاعلامية فدى مقداشي اضغط هنا
Cyber Security & Digital Transformation - Consultant & Expert
CEO – Revotips Expert Tech Consultants