بعد أن شاركت إحدى صورها على الانستجرام، تلقّت المصورة الفوتوغرافية ستيفاني سنكلير اتصالاً من منصة الوسائط الرقمية “ماشبل” وذلك بغرض الحصول على ترخيص منها لاستخدام هذه الصورة في نشرتها الإخبارية. ورغم أن ستيفاني رفضت ذلك إلا أن منصة “ماشبل” أدرجت المنشور الأصلي لستيفاني ضمن قصص المنصة المنشورة عبر الإنستجرام. حينها رفعت ستيفاني دعوى قضائية ضد المنصة لانتهاكها حقوق الطبع والنشر، لكن محكمة نيويورك وجدت أن “ماشبل” استخدمت الصورة “بموجب ترخيص فرعي ساري المفعول من إنستجرام.” بعبارة أخرى، من خلال الاشتراك في المنصة والموافقة على الشروط والأحكام الخاصة بها، فقد سمحت لـتطبيق الانستجرام والمستخدمين الآخرين بإعادة نشر محتواها عبر المنصة ذاتها.
هذا وينص قانون حقوق الطبع والنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن المستخدمين يمتلكون حقوق المحتوى الخاص بهم على الإنترنت. وفي هذا السياق، توضح شروط استخدام موقع فيسبوك ما يلي: “تحتفظ بملكية حقوق الملكية الفكرية في أي محتوى تقوم بإنشائه ومشاركته عبر فيسبوك ومنتجات شركة ميتا الأخرى التي تستخدمها. ولا تتضمن هذه الشروط ما يجيز سلب حقوقك في المحتوى الخاص بك. بل تعود لك حرية مشاركة المحتوى الخاص بك مع أي شخص آخر كلما رغبت بذلك.”
لكن هذه الشروط لا تعني أنه يمكنك التحكم فيما يحدث بعد ذلك، إذ يمكن نسخ المحتوى المنشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي وإعادة نشره واستخدامه من قبل أي شخص آخر. فالمشاركات تُنشر بشكل اعتيادي سواء حصلت على موافقة أم لم تحصل عليها. لذا، فقد لا تكون الصور التي وصلت إليك في عطلة نهاية الأسبوع خاصة كما تعتقد.
وإن قمت بالاشتراك في منصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فلا شك وأنك رأيت قائمة لا تنتهي من البنود والشروط التي لا يقرأها أحد في الواقع. وتتألف شروط الخدمة في موقع فيسبوك واستخدام البيانات من أكثر من 15,000 كلمة، ويقبلها معظمنا بشكل أعمى دون النظر إليها. لكن بماذا نشترك حقاً؟
وبصرف النظر عن قانون حقوق الملكية، يوافق المستخدمون من خلال الانضمام إلى منصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي على “منح ترخيص غير حصري وقابل للتحويل وقابل للترخيص من الباطن وخالي من حقوق الملكية لاستخدام صورهم أو كلماتهم أو مقاطع الفيديو الخاصة بهم،” بحسب ما يرد في موقع فيسبوك (رغم أن الأمر ذاته مطبق في كل من تويتر وإنستجرام وسناب شات وتيك توك). أي أنه يحق لهذه المنصات استخدام محتوى الأشخاص ونسخه وإعادة إنتاجه ومعالجته وتكييفه وتعديله ونشره ونقله وعرضه وتوزيعه بأي شكل من الأشكال دون إخطار مالك المحتوى أو إقرار اسمه أو السداد له. فحقوق المحتوى لا تزال عائدة لك لكنك تتنازل عن حقوق نشره بشكل مجاني.
وكي تزداد الأمور تعقيداً، تختلف هذه القوانين من بلد لآخر. لذا، عند النقر فوق زر “موافق”، فإنك لا توافق على القواعد المتبعة في المنصة فحسب، بل تصبح ملزماً أيضاً باتباع القوانين السارية في البلد المضيف لها. وهذا ما أوضحه رولاند أبي نجم، خبير الأمن السيبراني واستشاري برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، قائلاً: ” يقع مقر موقع فيسبوك وإنستجرام وتويتر مثلاً في الولايات المتحدة، لذلك يخضع المستخدمون لقوانين الولايات المتحدة أيضاً، بينما يخضع مستخدمو تيك توك للقوانين السارية في الصين كون مقر الشركة الأم للمنصة يقع في الصين.”
وهكذا، تتاح لمثل هذه الدول فرصة إجبار هذه المنصات على حماية مستخدميها. فعلى سبيل المثال، تطالب الولايات المتحدة أن يقوم تطبيق تيك توك بتخزين بيانات المستخدم على الأراضي الأمريكية وحماية قاعدة مستخدميها من انتهاكات البيانات. ومع ذلك يضمن الاتحاد الأوروبي حماية بيانات المستخدمين وخصوصيتهم من خلال اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR)، والتي تفرض على منصات وسائل الاجتماعي الحصول على موافقة مستخدميها قبل استخدام البيانات المقدمة عبر المنصة. لكن على الرغم من ذلك، ليس هناك ما يمنع منصات وسائل التواصل الاجتماعي من استخدام محتوى مستخدميها، كونها حائزة على ترخيص مجاني لنشره كما يحلو لها.
من جانبه، يوضح آدم وايزمان، وهو محامي متخصص في المعاملات، ولديه خبرة في الإنتاج الإعلامي والترفيه، قائلاً :”نحن بالفعل نمتلك حقوق المحتوى الذي ننشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكننا نمنح كل منصة ترخيصاً لاستخدامه على النحو المنصوص عليه في البنود والشروط الخاصة بها. وهذه التراخيص تختلف اختلافاً طفيفاً عن بعضها البعض، لكنها تمنح منصة التواصل الاجتماعي الحق في استخدام عملك المحمي بحقوق الملكية بأي طريقة تراها مناسبة.”
وبينما تكون فرص استخدام هذه المنصات للمحتوى الخاص بك ضئيلة، لا يقدم معظم المستخدمين أي شيء يمكن أن يفيدها، لكن ذلك لا يلغي احتمال استخدامها لهذا المحتوى بالفعل. كما تتاح للآخرين فرصة مشاهدة أي محتوى تشاركه بشكل عام في مساحة الشبكة الاجتماعية أو تنزيله أو حفظه أو مشاركته عبر المنصة ذاتها دون الحصول على موافقتك. أما إعدادات الخصوصية فهي تساعدك فقط على تقييد وصول المحتوى إلى دائرة محدودة من اختيارك. لكن المعنى الحقيقي لحماية المحتوى الخاص بك على الإنترنت يجب أن يمنحك الحق بشكل صارم في منع نشر محتواك عبر وسائل التواصل الاجتماعي على الإطلاق، لا سيما إن كنت تنوي بيع المحتوى الخاص بك أو جني الأرباح منه. ويمكنك بدلاً من ذلك إنشاء الموقع الإلكتروني الخاص بك وإدارته بنفسك لعرض المحتوى العائد لك.
في الواقع، قد يشعر البعض بالحنين إلى أيام “الويب 1.0” المعروف أيضاً باسم “الويب للقراءة فقط” حين كانت المواقع الإلكترونية تتضمن محتوى ثابت يمكنك عرضه وقراءته فقط. يبدو أن تلك الأيام ولت للأبد منذ زمن بعيد بفضل التكنولوجيا التفاعلية المتوفرة عبر منصات التواصل الاجتماعي. ويتبع حالياً “ويب 2.0” مساراً مماثلاً للتكنولوجيا التي تركز على التفاعل والاتصال الاجتماعي والمحتوى الذي ينشئه المستخدمون، لتقودنا بذلك نحو رؤية لامركزية لموقع “ويب 3” والتي طرحها جيفن وود عام 2014 لتكون ” الخدمات التي نستخدمها غير مستضافة من قبل مزود واحد للخدمة، بل لتصبح إن جاز التعبير أشبه بالخوارزمية البحتة التي يستضيفها الجميع.”
ويرتفع مستوى التهديد الخاص بالمحتوى المستخدم في ميتافيرس حيث يمكن لأي شخص تقريباً سرقة صورك وهويتك. كما يمكن للمحتالين تجسيد مظهر المستخدم وانتحال شخصيته. ومع تبني العديد من البلدان، بما فيها الإمارات العربية المتحدة، تقنيات “ميتافيرس”، تزداد المخاوف المتعلقة بهذا الجانب. وهذا ما أشار إليه أبي نجم قائلاً: “عندما يتعلق الأمر بمنطقة الشرق الأوسط، تتخذ دولة الإمارات العربية المتحدة إجراءات بهدف سن قوانين تحمي الأصول الرقمية. وبينما تهدف هذه القوانين إلى وضع نهج واضح للعملات المشفرة، فإن بيانات المستخدمين عبر الإنترنت [أيضاً] تندرج تحت مظلة الأصول الرقمية.”
الجدير بالذكر أن إمارة دبي أصدرت مؤخراً القانون رقم (4) لعام 2022 بشأن تنظيم الأصول الافتراضية، والذي يهدف إلى “تنظيم صناعة الأصول الافتراضية العالمية في الإمارة”. ومما لا شك فيه أن إدخال قانون الأصول الافتراضية يجعل دبي واحدة من الولايات القضائية القليلة التي اعتمدت إطاراً قانونياً يحكم الأصول من هذا النوع. كما أنشأت الإمارة هيئة تنظيم الأصول الافتراضية في دبي لتتولى مسؤولية تنظيم إصدار الأصول الافتراضية والرموز الافتراضية وتداولها، بالإضافة إلى ضمان أعلى معايير الحماية لبيانات المستفيدين الشخصية. وهذا يجعل دبي المدينة الوحيدة في العالم العربي التي تحمي الأصول الرقمية والافتراضية، بما في ذلك محتوى المستخدمين المنشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا ما يعكس التزام دبي بإنشاء نظام إيكولوجي شامل قائم على التكنولوجيا والبيانات، يحتضن ظهور تقنية دفتر الأستاذ الموزع والبنى التحتية الرقمية.
وباستثناء الإمارات العربية المتحدة، لا توجد قوانين حقيقية لحماية المحتوى عبر الإنترنت في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وأكد أبي نجم أن “هناك فجوة كبيرة عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا والقوانين المنظمة لها،” موضحاً أن “الإنترنت موجود منذ أكثر من 30 عاماً، ووتيرة الهجمات الإلكترونية في ازدياد على الرغم من كل الجهود المبذولة لمنعها. وسيواصل مستوى المخاطر بالازدياد عندما يتعلق الأمر بـعالم الميتافيرس، وهو مفهوم جديد نسبياً، إلى أن تصل التكنولوجيا إلى مستوى النضج الكافي لتنفيذ القوانين واللوائح.”
وعلينا جميعاً أن نتعلم من هذه الدروس المستفادة وندرك الواقع الذي نعيشه بالفعل. ففي كثير من الأحيان، لا يكون المستخدمون على دراية كافية بحالة بياناتهم. وقد آن الأوان لنتبع المثل القائل “طريق السلامة خير من طريق الندامة”.
لقراءة المقابلة على موقع WIRED إضغط هنا
Cyber Security & Digital Transformation - Consultant & Expert
CEO – Revotips Expert Tech Consultants