تُعدّ الخلية 8200 الإسرائيلية العمود الفقري لتقنيات التجسّس في الجيش الإسرائيلي، إذ يمتدّ نطاق عملها إلى مختلف أنحاء العالم. ووفقًا لدراسة بعنوان "الوحدة الإسرائيلية 8200 ودورها في خدمة التكنولوجيا التجسسية الإسرائيلية"، التي أجرتها الباحثة فاطمة عيتاني في مركز "الزيتونة للدراسات والاستشارات"، بدأت الوحدة أعمالها في عام 1948 كمجموعة من الأفراد الذين سعوا إلى تطوير مهاراتهم التكنولوجية في جمع وفكّ رموز الخصوم البريطانيين والعرب.
تعمل الوحدة بسريّة تامّة لحماية هُويّة أعضائها، وأدّت دوراً أساسياً في مختلف حروب المنطقة، حيث تشمل مجالات عملها تحليل المعلومات، والاستخبارات السيبرانية، واختراق الهواتف، والتعاون مع وحدات أخرى في الجيش الإسرائيلي وجهات أخرى، بما في ذلك التأثير على الرأي العام العربي. يمكن أن نكون قد تواصلنا مع هذه الوحدة من دون علمنا؛ لذا كيف يمكننا حماية معلوماتنا من تلك الجهة السريّة؟
اليوم، مع الحرب المتواصلة على #غزة يحاول الإسرائيليون كل ما بوسعهم لضمان الرأي العام العالمي، نظراً لما تملكه إسرائيل من إمكانيات وخبرات تستطيع بوساطتها تغذية مختلف المؤسسات الإسرائيلية بالمعلومات اللازمة، بعد جمعها عبر الاختراقات وعمليات التجسس على المستوى السيبراني، في أغلب الأحيان؛ من هنا يأتي دور الوحدة.
ويؤكد الخبير في التحوّل الرقمي وأمن المعلومات رولان أبي نجم في حديث لـ"النهار" أنّ "عمل الوحدة لا يقتصر على مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، بل يشمل ميدان عملها الأمان الإلكتروني والاختراق. ونعلم أنّ وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد يؤديان دوراً أساسياً في الحرب، لا سيما الحرب الافتراضية".
وأوضح بأنّ "الوحدة تضمّ شباباً في بداية العشرينيات، ولديها ميزانيات مخصّصة لها من قبل الحكومة الإسرائيلية لتأمين البرامج والأدوات اللازمة، وتعمل من خلال رصد "الترند" على مواقع التواصل، وتتغذّى من الجيوش الإلكترونية، لتدخل بُعيدها إلى الساحة بحسابات عربية زائفة فتعمل على التأثير في الرأي العام العربي". وأشار أبي نجم إلى أنّ "الوحدة 8200 أدت دوراً جوهرياً في حرب تموز 2006 في لبنان، وحرب 2014 في غزة، إذ تمكنت من خلق حسابات باللغة العربية بهدف التأثير على المجتمع العربي".
يقوم أعضاء هذه الوحدة بانتحال شخصية عربية لاختراق الرأي العام العربي، وتشمل مجالات العمل في الوحدة 8200 تحليل المعلومات، والاستخبارات السيبرانية، والاختراق الهادف، والتعاون مع وحدات أخرى في الجيش الإسرائيلي وجهات أخرى.
وتتألف الوحدة من جنود يجيدون العربية والفارسية، ومقرّها الرئيسي في منطقة جليلوت. وبسبب التعاون الأميركي، أصبحت الوحدة 8200 واحدة من أكبر قواعد التنصّت على مستوى العالم.
وفي السياق، يؤكد أبي نجم أنّ "لدى الوحدة الأدوات والوسائل التي تمكنها من توسيع نطاق عملها، لا سيما أنّ بحوزتها معلومات دقيقة للعديد من الحسابات، وتنفّذ ما يسمى "fetching data" لتحليل البيانات المستخرجة من منصات عدّة، منها فايسبوك. وجميعها خدمات مدفوعة لتسهل عملها وتوجهها إلى المكان المناسب، لتتدخّل بُعيدها، وتبدأ عملية البروباغندا أو الدعاية السياسية، وتحقق ذلك من خلال قياس الرأي العام أو "Sentimental Analysis".
وأشار أبي نجم إلى أن "الجانب الآخر من نشاطهم يركّز على "الهندسة الاجتماعية"، حيث يقومون بابتكار حسابات مزيّفة بأسماء فتيات لاستدراج الأفراد واستخراج معلومات منهم، يحققون ذلك من خلال إغراء الأفراد، ثمّ ممارسة الابتزاز بهدف تحقيق أهدافهم في إطار الحرب السيبرانيّة الجاريّة". وأضاف أن "الدعاية السياسية تشكّل جزءاً لا يتجزّأ من العملية. لكن هناك عوامل أخرى تؤثر على سير العمل، إذ يتم التركيز على اختراق الهواتف أو الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي. ويحققون هذا المراد من خلال إرسال روابط إلى حسابات، ويُطلب من المتلقّي تنزيل تطبيق معيّن. وعندما يقوم بتحميله، يتمكّنون من سحب المحتوى والمعلومات الشخصيّة، بما في ذلك الصور الشخصيّة التي يمكنهم استخدامها في عمليات الابتزاز".
كيف نميّز حسابات الوحدة 8200؟
يلفت أبي نجم إلى أن الحلّ الأساسيّ لتجنّب الوقوع في فخّ هذه الوحدات يكمن في الانتباه إلى مصدر الحسابات، خاصةً أن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يشاركون المحتوى من دون التحقق أو التدقيق. يستخدمون ذلك لاستدراجك لنشر أخبار كاذبة حولهم، إذ يرسلون خبراً، ويبدأ الرواد بنشره، ثم يتبيّن لاحقاً أنه كان كاذباً، ممّا يؤثر سلباً على صدقيّتك. لذلك، من المهم:
وبحسب موقع "ت آر ت العربية" "تبرز أهمية الوحدة 8200 من خلال خدمة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في صفوفها سابقاً. وتتنافس شركات التكنولوجيا المتقدمة الرائدة في إسرائيل على استقطاب الضباط والجنود الذين ينتهون من خدمتهم في الوحدة 8200 بسبب قدراتهم الفائقة في المجال التكنولوجي".
وعام 2011، نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريراً يفيد بأن الوحدة 8200 تدير شبكة تجسّس ضخمة تُعدّ واحدة من أكبر قواعد التجسس في العالم، تمكّنها من مراقبة الهواتف المحمولة والبريد الإلكتروني ووسائل الاتصال الأخرى عبر مناطق الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا وأفريقيا. وتتمتع الوحدة بالقدرة على تعقب السفن. وأشار التقرير أيضاً إلى وجود مراكز تجسس سرية تابعة للوحدة 8200 في السفارات الإسرائيلية في الخارج، بالإضافة إلى وجود كابلات تجسّس تحت البحر، ووحدات تجسّس سريّة في الأراضي الفلسطينية. وتمتلك الوحدة أيضاً طائرات "كلفستريم" المجهّزة بأجهزة تجسّس إلكترونيّة.
ما علاقة هذه الوحدة بـ"ميتا" وحكام العالم؟
مع أبحاث معمّقة أجرتها "النهار" عن خلفيات الوحدة 8200، برزت أسماء سياسيّة عدّة لديها صلة غير مباشرة بفيلق الاستخبارات الإسرائيلي، أهمّها الوزير البريطاني الحالي ريشي سوناك.
وكان زعيم حزب "المحافظين" البريطاني قد تزوّج سيّدة الأعمال ومصمّمة الأزياء الهندية أكشاتا مورثي، ابنة الملياردير التكنولوجي الهندي نارايانا مورتي عام 2009، وهو من مؤسسي شركة "انفوسيس" المتخصصة بتقديم خدمات الاستشارة المتعلِّقة بالأعمال، وتقنية المعلومات. وكانت الشركة قد أعلنت في بيان لها في 20 نيسان عام 2020 تعيين مدير مستقلّ جديد، هو يوري ليفين، الذي أدّى خدمته العسكرية في الوحدة 8200.
وفي مقال قديم لجريدة " فايننشال تايمز" في 1 كانون الأول عام 2015، أشارت إلى أنّ "ليفين لديه طموحات كبيرة للشركات الجديدة. وهو يعتقد أن بعضها، على الرغم من أنها يمكن أن تظل شركات ناشئة صغيرة في سنواتها القليلة الأولى، يمكن أن تصبح قوية عندما تنجح في حل مشكلات كبيرة، وهذا أمر جديد بالنسبة لإسرائيل. فالدولة الملقبة بـ"أمة الشركات الناشئة" تتمتّع بسمعة جيدة في إنتاج شركات التكنولوجيا الرائدة على مستوى العالم؛ فقد كان الإسرائيليون رائدين في برامج مكافحة الفيروسات، واخترعوا شريحة الذاكرة، ويستحوذون على حصة غير متناسبة من صناعة الأمن السيبراني الجديدة. ويُعَدّ الجيش الإسرائيلي المتطور حاضنة مشهورة للمواهب".
من جهة "ميتا" "اتضح أنّ الرئيس التنفيذي لأمن المعلومات جاي روزين، كان يعمل لدى الوحدة 8200. وكان قد أسس إلى جانب روي تايغير (عضو سابق في الوحدة 8200) شركة "أونافو"، وهي شركة إسرائيلية لتحليل المحتوى عبر الهاتف وتقديم خدمة الشبكة الافتراضية الخاصة (VPN)، وكانت قد اشترتها "ميتا" عام 2013 لاستخدامها كمنصة تحاليل.
وكان موقع "تيك كرانش" قد نشر تحقيقاً عام 2019 حول سرقة بيانات المراهقين في تطبيقي "أونافو" و"أبحاث فايسبوك"، اللذين تملكهما نفس الشركة، الأمر الذي دفع بشركة "فايسبوك" بذلك الوقت إلى سحب تطبيق "أونافو" و"أونافو بروتيكت" من متجر غوغل تخوفاً من رد فعل عنيف.
من هنا نفهم مسألة حظر أي محتوى يتناول قضية فلسطين على جميع منصات "ميتا". لكن الأسئلة تدور حول مسؤولية الوحدة 8200 في عملية "طوفان الأقصى".
واعتبر موقع "بلومبيرغ" أنّ إسرائيل شهدت اضطرابات داخلية مع احتجاج مئات الآلاف من الأشخاص على خطط رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لإصلاح السلطة القضائية وزيادة السلطات البرلمانية على المحكمة العليا. وامتدت هذه الاحتجاجات لتشمل ضباط الاحتياط في وحدة النخبة السيبرانية الإسرائيلية، الذين رفض بعضهم الخدمة الاحتياطية، وفقاً لصحيفة هآرتس.
ويرى جيفري ويلز، الخبير في المعلومات السيبرانية، والذي كان على اتصال بمشغّلي الإنترنت الإسرائيليين الحاليين والسابقين، أنه من المحتمل أن يكون كلّ هذا قد صرف انتباه إسرائيل الحادّ وأضعف وكالات الاستخبارات. وقال إن الوحدة 8200 فقدت أيضاً المواهب في السنوات الأخيرة، على الرغم من أن التأثير غير واضح، مضيفاً: "كانت في السابق مركزاً لعقول النخبة التقنية في البلاد، وقد انتقل الكثير منها الآن إلى عالم الأمن السيبراني التجاري المزدهر، بعد أن جذبته طموحات ريادة الأعمال والمكافآت العالية".
من جهته، لا يزال ألون أرفاتز، وهو عضو سابق في الوحدة 8200 على اتصال بأعضاء الوحدة، وكان من بين أولئك الذين رفضوا فكرة وجود أي تأثير ملموس على قدرتها، مؤكّداً أنه يعرف جنود الاحتياط في الوحدة 8200 الموجودين في الخارج، والذين يعودون إلى إسرائيل للمساعدة.
لقراءة المقابلة على موقع النهار إضغط هنا
Cyber Security & Digital Transformation - Consultant & Expert
CEO – Revotips Expert Tech Consultants